الصحراء 24 : بقلم / الأستاذ ماء العينين إعيش
يعرف المغرب هذه الأيام حملة لمقاطعة مجموعة من المنتجات التابعة لثلاث شركات رئيسة، أولها تنشط في مجال تعبئة الماء المعدني( سيدي علي ) ، و ثانيها تعمل في مجال الحليب و مشتقاته (سنترال ) ، و ثالثها تشتغل في مجال الوقود و المحروقات (إفريقيا) .
وقد عرفت هده الحملة تجاوبا كبيرا من مختلف شرائح الشعب المغربي و على امتداد الخريطة الجغرافية للمغرب ، بالرغم من عدم امتلاك أية معلومات أو معرفة باللون السياسي أو الإيديولوجي للداعين إليها ،حيث كبدت حملة المقاطعة الشركات المعنية بها، خسائر كبيرة سواءا على المستوى المادي أو المعنوي ، خصوصا و أن صاحب إحدى الشركات الثلاث و الذي يدور في كنف السلطة .
كان من المرتقب أن يحض بمكانة قيادية على رأس إحدى المؤسسات التنفيذية في غضون السنوات الثلاث المقبلة ، لكن نجاح حملة المقاطعة أفقده على ما يبدوا المشروعية في الاستمرار في هذا الطموح ، غير أن المتأمل في حملة المقاطعة بالمغرب و التي تعتبر رسالة شعبية بكل المقاييس يكتشف مايلي :
* الغطرسة و العنجهية:
إن المتتبع أو الراصد لردود أفعال ممثلي الشركات موضوع المقاطعة يكتشف بشكل جلي نوع من الغطرسة والعنجهية و الاستهتار بإرادة الشعب أو بعضه على الأقل ، فكيف يمكن لناطق رسمي باسم إحدى الشركات ، و الذي يفترض فيه انه يملك الكفاءة للتواصل مع الجماهير أو وسائل الإعلام أن يصف المقاطعين بالخيانة ، و الأخطر من ذلك أن تصدر هده الإهانة على لسان مسؤولين حكوميين، او نواب برلمانيين ، يفترض فيهم أنهم يدافعون عن حقوق و مصالح الشعب ، و يسعون لتحقيق الرفاهية له و الحفاظ على السلم الاجتماعي ، حيث وصف احد الوزراء المقاطعين “بالمداويخ” ، في حين وصفهم الأخر “بلعب الأطفال في العالم الافتراضي ” ، أما الثالث فقد حاول تمرير تهديد مبطن بمتابعتهم قضائيا ، أما الرابعة و التي تعتبر مائبة للشعب فقد اعتبرتهم قطيعا .
الأمر الذي يؤكد عدم استيعاب هؤلاء المسؤولين للمفاهيم الجديدة التي جاء بها الدستور و التي كرست بالأساس الحق في الاختيار و حرية التعبير ،كما انهم لم يواكبوا مستوى الوعي السياسي الذي أصبح ينعم به جزء كبير من الشعب المغربي ، الشيئ الدي يطرح سؤالا جوهرية حول كفاءة هؤلاء المسؤولين و أمثالهم في تدبير الملفات المصيرية لهدا لوطن .
* فعالية و نجاعة السلطة الخامسة في حملة المقاطعة:
غالبا ما يتم الحديث عن السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية ، ويضيف إليها البعض السلطة الرابعة و المتمثلة في الإعلام.
غير انه مع تطور الفكر الإنساني و الثورة المعلوماتية التي أصبح يعرفها العالم ، ظهرت سلطة خامسة و التي تتمثل في شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها ( فايسبوك ، واتساب ، مسانجر …).
و قد اثبت السلطة الخامسة نجاعتها و فعاليتها في إنجاح حملة المقاطعة بالمغرب ، حيث مكنت المقاطعين أو الداعين للمقاطعة من نشر أفكارهم بشكل واسع ، متجاوزين في ذلك الرقابة التي يمكن أن تعيق تحركهم ، و متفادين أيضا الصدامات أو الاعتقالات او المتابعات التي يمكن أن تنتج عن خروجهم للشارع .
وهكذا يمكن القول أن شبكات التواصل الاجتماعي (السلطة الخامسة)كان لها دور فعال في إنجاح المقاطعة بشكل باهر، كما أنها كانت وسيلة لضحد كل المزاعم المناوئة لحملة المقاطعة ، و كشف جميع المعلومات و الأرقام المغلوطة التي كان يستعملها البعض لتأثير بشكل سلبي على الحملة ، حيث بلغت الجرأة بالبعض (نائب برلماني ) إلى حد مطالبة بضرورة حجبها .
* انكشاف جشع البورجوازية :
ان حملة المقاطعة و ما واكبها من معلومات و أرقام خيالية عن أرباح بعض الشركات ، و هي معلومات موثقة صادرة عن مسؤول رسمي و هو رئيس اللجنة الاستطلاعية حول أسعار المحروقات ، يؤكد أننا فشلنا فشلا دريعا في انشاء برجوازية وطنية تساهم في بناء الوطن و تشارك في تحقيق تنمية حقيقية به .
فالارباح المعلن عنها و التي كانت بالاساس على حساب الدولة من خلال الاستفادة من الدعم ، و كدا على حساب المواطن من خلال هامش الربح ، تتثبت ان نموذج البورجوازية المعنية بهده المعطيات ،كان همها الوحيد هو تحقيق الأرباح الخيالية و الدفاع عن مصالحها الشخصية دون ان تفكر في المساهمة في الحفاظ على السلم الاجتماعي و حماية القدرة الشرائية للمواطن و دون ان تفكر ايضا في المساهمة في بناء اقتصاد وطني قوي .
فهذا الفشل في صناعة بورجوازية وطنية ، يشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار هدا الوطن الأمر الذي يستوجب من الدولة و كدا جميع الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين ضرورة التفكير بشكل جدي في خلق بورجوازية وطنية حقيقية بدل الاعتماد او الاكتفاء بالانتهازيين الدين يتعاملون مع هدا الوطن كبقرة حلوب .
*ارتفاع الوعي الشعبي و تجاوز الوسائط التقليدية :
إن الشعب المغربي و خصوصا فئة الشباب منه ، بالرغم مما كان يقال عنها من اللامبالاة و عدم الاهتمام بأوضاع و شؤون هدا الوطن ، أثبتت من خلال حملة المقاطعة استيعابها و ضبطها و تتبعها لكل ما يدور بهدا الوطن، غير انها كانت منزوية لكونها لم تجد المجال أو الآليات التي يمكن من خلالها أن تعبر عن رأيها ، فالوسائط التقليدية كالأحزاب أو جمعيات المجتمع المدني لم ترقى الى مستوى تطلعات هؤلاء الشباب، فهي لم و لن تكون خيارا لهم ودلك راجع بالأساس إلى ما يسود هده الأحزاب أو الجمعيات من زبونية و محسوبية .
الأمر الذي دفعهم إلى البحث عن آليات و وسائل جديدة للتعبير عن أرائهم و قد وجدوا ضالتهم في وسائل التواصل الاجتماعي .
الشيئ الدي يجعل التفكير في خلق وسائط جديدة ضرورة ملحة حتى نتمكن من تطوير الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي في هدا الوطن ، الذي يعد ملكا لجميع المغاربة بدون استثناء .