beforeheader desktop

beforeheader desktop

afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

رأفة بروح الجمل ، حتى لا تتكرر مأساة زاوية أسا

 

بقلم: عمر افضن 

 

 

من المفارقات العجيبة أن بعض مسؤولي الدولة عندما  ينظرون إلى تدفق الأموال، أو وجود الولائم  لاتنقشع أبصارهم ولو رأفة  بالروح،  مقالي اليوم  سيكون حول كارثة   يتبجح بها الإعلام المغربي  من خلال تنظيم موسم زاوية أسا ، وقبل الحديث عن هذه الزاوية وكيف استطاعت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تغير من معناها ودلالاتها التاريخية لتجعلها شئ تافه تذبح فيها القربان  أمام مسؤولي الدولة  دون  تأنيب ضمير، ويا حسرتاه  بإسم  ذكرى المولود النبوي الشريف، كأننا في عصر “حتشبسوت” في مصر، وهي للإشارة أجمل الجميلات  التي تقدم  إلى نهر النيل.

    وحتى  نقرب المغاربة من الحدث ،  لابد من تذكيرهم بالأصول التاريخية للمكان، قبل أن يسميها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية زاوية أسا  بهتانا وتزويرا للتاريخ، ولعلي أذكركم بأصول الزاوية التي تعود في أصلها إلى قبائل  ” آيت اعزا ويهذى” ،  وهي القبائل الأصلية لمنطقة أسا، مازلت أتذكر  نصيحة  الحسن أصالح رحمه الله  وهو فقيه مسجد سيدي احمد أصالح بنواحي  إقليم سيدي افني، ذات يوم زارنا  في بيتنا  و أثناء  مغادرته  كعادة الفقهاء في نصح تلاميذهم   حط  يده على رأسي  وقال لي عليك  بالمعرفة  أولا، وثانيا  أصل أبيك  الذي  يقال عنه  من “آيت اعزا ويهدى” ، واسترسل قائلا بعد ذلك ” فلتعلم أنها في الحقيقة ليست اعزا ويهدا ، وإنما آيت اعزا ويدا ” انتهى كلام الفقيه ، كأنه يريد أن يصحح لي معناها دون أن يذكر أنها معربة  وللتذكير بالمناسبة هو من قواد التنظيم السري التابع لحزب الإستقلال آنذاك ،  ولما بحثت في الأمر  وجدت كلام الفقيه الذي تتلمذت على يديه صحيحا فأصل الكلمة  ” اعزا ويدا ” أي بالأمازيغية   ما معناه  ، مقدسي الأرض ، وقد قيل عنهم  الكثير وتحدث عنهم  التاريخ  وهم من عداد ” إكرامن” ، أي ما معناه بالعربية ” الشرفاء ” ،  وارتبط اسمهم بزاوية “آيت اعز ويهدا” التي تحولت بقدرة قادر الى زاوية أسا ، نظرا للضغوط السياسية  والمقاربات الهجينة التي تتعامل بها الحكومات المغربية وأحزابها السياسية مع كل ما له علاقة بالصحراء، لذلك فقبيلة آيت أسا ، لها زاوية تسمى ” آيت اعزا ويهدا” ، أما زاوية أسا اسم   مفبرك لا أصل له ولا فصل،  إنما   فبركته  ثلة تأخذ من كل ضغينة  لمرضاة المخزن  والإسترزاق منه ثانيا ،  ومن جهة  لمجابهة قبائل أخرى  احتكرت العمل السياسي في الصحراء مثل الركيبات ، و أهل ” شيخنا” .. ، أو لإنعاش سياسية  المهرجانات  وهي خاصية تذويب المخزن لغضب الشعب  ولو مؤقتا لكي يتنفس  ويرمي بمكبوتاته الإجتماعية التي تختنقه . لكن ماهو سيئ في هذه العملية  هو تجاهل وزير الأوقاف لرصيد زاوية لها من تاريخ الصحراء  جذورا ، بل يحترمها كل الصحراويين و يقدرونها ، و تدخل في عداد ” اكرامن ” أمازيغ الصحراء ، وقد  تم تدمير الزاوية وتفكيك أسرتها في عهد أبي الحسن المريني ، أو السلطان الأكحل ، ولم يخفف من محنة شرفاء الصحراء إلا قبيلة  الركيبات التي ساندتهم ضد السلطان الأكحل ،  لذا نجد في الصحراء كلما اشتد الظلم وعجز الصحراويون على تحقيق مطالبهم مع السلطات   إلا ويرددون كلمة ” دولة كحلة ” وهي  تعبير يراد به  حرب الإبادة التي قام بها السلطان الأكحل  في القرن الثالث عشر الهجري .  هذه الإبادة اليوم مستمرة من خلال  تزوير حقائق التاريخ وتقديم القربان في بشاعة  لاتتصور ، كأن مسؤولي هذا البلد لاتهمهم تلك القبور المحيطة بالزاوية والتي تعود الى أولياء صالحين  يفوق عددهم الثلاثة مائة ، ولن أتحدث عن الأصول اليهودية  للمنطقة ، ولا علاقة المنطقة بقبائل أخرى ومنها قبيلة الركيبات ، و لا عن معركة” تاولكت” التي ظلت عقدة الخلاف بين بقايا السلطان الأكحل و الركيبات ، وغيرها من الأحداث التاريخية لايتسع المقال لذكرها ، ما جعلني أكتب عن هذا هو  طمس معالم التاريخ ، وإقبار الخصوصية الصحراوية ،  والعبث بروح الإنسان دون تقدير لنفسيته ، وأيضا تزوير حقيقة المعتقد خاصة عندما يتعلق الأمر بأولياء مثل” آيت اعزا ويهدا” المنتشرة في الصحراء وايت بعمران وسوس وغيرها من المناطق  فالأماكن التي تحتضن مقابرهم ، وأضرحتهم مازالت محترمة تقدم إليها الصدقات ، وتعتبرها القبائل مكانا للتشفي والتمني ، …..

     ربما وزير الأوقاف يتجاهل عن قصد   مكانة “آيت اعزا ويهدا” في قلوب الصحراويين  رغم أنه سوسيولوجي وله  إلمام كبير بخصوصيات القبائل والمعتقدات ، ولم يراعي بإنشائه  زاوية جديدة  عالم التصوف عند ذاكرة الصحراويين والرعاية الخاصة  لإكرامن ” آيت اعزا ويهدا” ، كما أن الولائم والاسترزاق غض الأبصار،  وكعادة المسوؤلين ومعهم المنتخبين المفبركين على مقاسهم  في هذه  المناسبات يراؤون ويمنعون الماعون، ببساطة ثقافة المخزن مؤسسة على هدر المال العام فلا سلطة بدون مال هذا هو المنطق القائم بالمغرب .  الكارثة العظمى  التي إستقاها المغاربة وغيرهم وروج لها عبر الشبكة العنكبوتية،  هي فضيحة نحر الجمل بزاوية أسا على مرء ومسمع من العالم ، وبشكل بشع ، أمام أعين الأطفال في هسترية مقيتة ، ولم يكن ذلك يوما من أخلاقيات “آيت اعزا ويهدا” ولا في  التقرب من أضرحتهم ، دماء تسيل  وتعذيب  لروح جمل  نحر فعلا بآلات حادة ،   فلا القران والحديث وكل ماله صلة بالدين وغير الدين يقبل ذلك،    ونعتبره إهانة لكل الصحراويين . فإذا كان هؤلاء مسلمون ويؤمنون طبعا  بتقاليد الإسلام  السمحة  فكل ما جاء فيه ينبذ  مثل هذا التصرف رأفة بالحيوان .

أما على مستوى خصوصية المنطقة لم يكن من عاداتنا وتقاليدنا نحر الجمال في الأضرحة وهذه من خرافات ومزايدات سياسوية ، في المعتقد الصحراوي عادة ماترتبط مثل هذه المناسبات بالتقليد  المتداول ويسمى “المعروف”، ويخضع  لمنطق  التعاون والتضامن ، ليكون الهدف منه  هو توزيع الصدقة بمفهومها الإنساني، وليس التبذير كما حال اليوم ، وغالبا ما تكون  العادة  ذبح ” الديك “، أو المعز …، ويستثناء  الجمل، نظرا لضخامة جسمه  وحتى الرؤية البصيرة لايمكن أن تتقبله، حيوان ضخم، يقدم خدمات جليلة يمثل  سفينة الصحراء ….،  لذا انتبه الفقهاء لدور الجمل ولضخامة جسمه عندما   ألزموا المسلمين بالوضوء عند أكل لحمه واعتبروه  مكروها  ولاتصح الصلاة بدون أعادة الوضو ،  فهل توضأ المسؤولين والمنتخبين  بزاوية أسا  قبل الصلاة ، والذين تهمهم البروباغندا وأخذ الصور وإشباع الكرش أكثر من فهم أمور المعتقدات  في الصحراء؟ ، أما العبث بمقدسات “آيت يعزا ويهدا” لن يزيد إلا البلاء ، ماذا سيكون رأي ” برجيت بردوا” الممثلة المشهورة بشأن سفك دماء جمال زاوية أسا ، ألم تكن هي المشهورة بدفاعها عن الحيوان الأليف  والبيئة ، وعندما أحس  الراحل الملك الحسن الثاني بثقلها  الدولي  لبى رغبتها رأفة بالحيوان فألغى  عيد الأضحى عدة مرات؟؟ .مشهد نحر الجمال  أو الإبل في الصحراء في مقام الأولياء  الصالحين يشوه سمعة الإنسان الصحراوي و يراد منه تشويه إنسانيته  ، ولعل هذه الظاهرة ترتبط بالعمال الصحراويين  الذين يسيرون عمالات وأقاليم  الجنوب والصحراء  ، بل غيروا وبدلوا معالم أضرحة شاهدة على تاريخ عريق في المنطقة  كما هو حال الولي الصالح سيدي علي افني وهو من أصول “آيت اعزا ويهدا” كذلك  ، وحيث أقدم عامل الإقليم مامي باهيا  هو الآخر بنحر جمل  لم يتخلص ناحريه من موته إلا بمشق الأنفس  بعدما  توقف برهة من  شدة الألم  وتعجب الناس لأمره وسبحوا لله تسبيحا ، وفضل البعض منهم الهروب من رعب المشهد ،  بينما اعتبره الآخرين ” الزلات الكحلة” ،  وعبرة  للمندسين للولي الصالح الصامد أمام  أمواج البحر  لقرون مضت  . فرأفة بروح الجمل  حتى لاتتكرر مأساة زاوية أسا.

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد