صحراء 24:رأي
زاد ارتباط “بيشيدي” بالبحر ولم يعد يفوت فرصة الغوص في محيطاته و ان كان في يقظة تامة..فسفينته دوما ترسو على موانئ تفكيره الذي لا يخلو من الكثيب و أهله و حراسه اللذين لا يعرفون النوم لان لا تنال الرياح الشمالية منهم..هو ذا أبو بلقيس في الزاوية هناك يمسك بسلاحه وهو في أهبة الاستعداد و الجاهزية وتلك هي البتول تضمض جراح بعض الحراس بعد عودتهم من المعركة و ذاك هو أبو هديل في الزاوية المقابلة لابو بلقيس و حنظلة عند بوابة الكثيب يحرسها وهو يغطي رأسه بلثامه الفشقي الذي يقيه من هبوب العاصفة الرملية في انتظار عودة شيخ الكثيب هذا الاخير الذي لا يخفي “البيشيدي” اشتياقه اليه.. نادى “بيشيدي” رفاقه و طلب منهم الاستعداد للرحيل صوب السهل الممتنع للوقوف على أوضاع أهل الكثيب هناك، ثم صعد الجميع على متن السفينة التي كتب “بيشيدي” على واجهتها اليمنى “صمعة” بعد تفقد الحالة الميكانيكية للسفينة. شد ربانها الرحال مع رفاقه و ما هي الا يومين من ابحارها صادفها عزيز الكثيب وهو يعود من رحلة كانت تقوده لاحدى الموانئ السمراء..همس عزيز الكثيب في آذن “بيشيدي” وهو يقول لم اكن اعلم بانكم تبحرون هنا..أمام أنظار رفاقه الذين ارادوا معرفة ما دار بين بيشيدي وعزيز الكثيب ولكن تقاسيم وجه “بيشيدي” أكدت للجميع أنه لم يصدق ما قيل له. استمرت الرحلة و بعد 5 أيام و رست السفينة “صمعة” بميناء السهل الممتنع ولكنها لم تجد أحدا هناك. اللهم طفل صغير يجلس وحيدا يتأمل البحر، سأله “بيشيدي” أين البقية و لكن الطفل كان و كأنه يهذي و بدأ في اطلاق سيلا من الكلام و العبارات التي تفيد أنه كان يهذي بالفعل فكان يردد :” لقد ثار السهل أو تسعت مع ثورته نقطة البياض وسط بحر سمته السواد”. ربما قد يعم الصفاء و الوضوح..حياة أهل الكثيب من جديد كما كانت في الماضي القريب، بالتقلص المرتقب لوقعة السواد. نعم انه هذيان طفل يحلم بمستقبل مشرق يخيم عليه البياض رغم شراسة مقاومة لسواده، ها هو ذا يصرخ بصوته الحنون و الدموع تتساقط من عينيه: “ارجوكم يا سادة لا تجعلوا اللونين يختلطان حتى لا تضيع أغنيتي المفضلة : أرسم بابا، ارسم ماما، بالالوان” و أن احاول رسم واقعي المستقبلي بفعل خليطكم الذي سيبدو معه كل شئ رمادي..ستقتلون في ذاك الطفل الصغير الحالم بغد أفضل من حاضر مرير لم يتسبب به ماض غريز بانتصارات البياض على السواد..لا تجعلوا احاسيس أهل الكثيب الرهيفة تبدو بلون رمادي، اتركوا الطفولة الحالمة و البريئة بعيدة عن رماديتكم المزعومة فأنتم في الاجل من نطفة سمتها البياض فلما الكذب و أنتم تجهلون أنكم تكذبون على أنفسكم قبل الكذب على أهل الكثيب لكثرة كذب صديقي صرت لا أستطيع تصديق حتى عكس ما يقول..
سيدي السباعي
معتقل سياسي صحراوي