الصحراء 24 : من إعداد/ الدكتور الكيرع المهدي
"ناقشت الوفود القضايا الإقليمية والخطوات التالية في العملية السياسية بشان الصحراء الغربية، واقر الجميع بان التعاون الإقليمي ، وليس المواجهة هو أفضل طريقة للتصدي أمام التحديات المهمة التي تواجه المنطقة" (البيان الصحفي لكولهر بعد المحادثات الأخيرة، جنيف اكتوبر 2018) .
في تقرير لمعهد بوتشاك للدراسات السياسية وجامعة جون هويكس حول الأهمية الإستراتيجية لشمال إفريقيا، والذي نص على أهمية المغرب العربي لمصالح واشنطن اقتصاديا وسياسيا وامنيا.
هذا- التقرير- يعتبر أن أي تقدم سياسي في أفق الاندماج لا يمكن تحقيقه بعيدا عن تسوية أوحل مشكل الصحراء، فهي المعرقل الوحيد والحقيقي للاندماج ألمغاربي، والذي أصبح يؤرق الدول العظمى ،التي أصبحت تسعى للالتفات إلى منطقة شمال إفريقيا وتقويتها كإقليم مستقر، قوي ومندمج في إطار المتوسط، ومتقدم على باقي إفريقيا ليشكل أنموذجا يحتذي به، ولن يكون ذلك كذلك دون حل مشكل الصحراء.
أشار جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي في كتابه " الاستسلام ليس اختيارا " الصادر سنة 2007، إلى التجاذبات الحاصلة في الموقف الأمريكي من قضية الصحراء، بين من يؤيد مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب ومن يدافع عن مقترح جبهة البوليساريو في تقرير المصيرـ هذه التجاذبات تبرز في العمق اختلاف الموقف الأمريكي الذي ينحوا إلى البراكماتية والمصلحة العليا لأمريكا .
تقوم الإستراتيجية الأمريكية للحل على أساس خطاب سابق للرئيس الأمريكي باراك اوباما في 19 مايو 2011، الذي أعلن فيه" ان أمريكا تدعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي يمكن أن تلبي الطموحات المشروعة للناس العاديين وليس الشعب بالمفهوم النخبوي".
فالإستراتيجية الأمريكية ستكون مبنية على الإصلاح والتغيير وليس على الاستقرار بالمفهوم السابق والذي يقوم على الخوف من تهديد الإرهاب والحرب الأهلية، والتي لم يبق لها مبرر من اجل انعتاق الإنسان العربي، فقد انتهى عصر تحالف الإدارة الأمريكية بالتحالفات السياسية التقليدية في الشرق الأوسط.
منظمة الديمقراطية ألان أشارت إلى وجود تنسيق كامل يقوده ويقف عليه المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة " كولهر " ما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية قي قضية الصحراء.
فالخارجية الأمريكية دعمت في 2016 دعوة الأمم المتحدة في إجراءاتها للعودة الفورية للاجئين و الصحراويين إلى ديارهم بما يضمن لهم الحرية في التعبير عن خياراتهم في أفق توجههم الى الاستشارة النهائية.
وفي لقائه الصحفي يوم 17-12-2018 بمؤسسة التراث"هيريتيج فاوندايشن" خصص لمناقشة الإستراتيجية الجديدة للإدارة الأمريكية بإفريقيا، طالب بولتون بضرورة التفكير في الشعب الصحراوي والصحراويين الذين لا يزالون يعيشون في المخيمات، وان الصحراويين وأبناؤهم بحاجة إلى العودة الى ديارهم للعيش حياة عادية.
وفي نفس السياق طالبت الخارجية الأمريكية الاتحاد الأوروبي قبل التوقيع على اتفاقية الصيد البحري إلى ضرورة التأكيد على دمج الصحراويين شرق وغرب الجدار العازل والإشراف على وصول كل العوائد إلى الصحراويين، كما قدم جون بولتون ورقة تدعوا إلى تحقيق سلام نهائي بخصوص مستقبل الصحراء، ولن يتأتى ذلك إلا ب :
- الاعتراف بالتمثيل الكامل للصحراويين من طرف جبهة البوليساريو ( المفاوضات القادمة سوف تقطع مع الغموض حول شرعية التمثيلية لجبهة البوليساريو للصحراويين ).
- رفع التواجد العسكري للمينورسو للحد الأقصى.
- إسهامها في بناء المؤسسات الممثلة للشعب الصحراوي.
فمستشار الأمن القومي الأمريكي"جون بولتون " يعمل مع المينورسو على شروط جديدة لتامين عودة ألاجئين وضمان أمنهم الكامل، تحقيقا لما دعاه جون بولتون "بالمهمة السياسية للبعثة " والمتمثلة في تكليف الأمين العام للأمم المتحدة من قبل مجلس الأمن بمهمة إعادة هيكلة المينورسو وتوجيه المفاوضات إلى الحل النهائي لقضية الصحراء والرفع من جهوزية المينورسو عبر إعادة هيكلتها بمعدات واليات حربية ( مؤخرا تم تسليم أربع طائرات هيلوكبتر روسية للمينورسو ).
أمام هذه التحديات، أصبح لزاما تحرك المغرب بإجراءات على الأرض لدعم مبادرته للحكم الذاتي والتي قدم بشأنها تصوره في بابين وستة فصول في لقاء لشبونة الأخير مع كولهر، والذي حضره من الجانب المغربي منتخبو جهة العيون الساكية الحمراء وجهة وادي الذهب.
فالمغرب يبحث عن تحقيق انتقال استراتيجي بالمنطقة ، فمنذ 2009 وهو يعمل على تمرير الطبعة الجديدة للصحراء عبر مؤسساته، مما من شانه أن يسهم في وضع علاقة الإقليم وباقي الأقاليم في سلم امن المنطقة المستقبلي، فقام بوضع خطة ترمي إلى دخول الجهوية بالمنطقة لمرحلة انتقالية تهيئ بنيات الدولة إلى حكم ذاتي في الصحراء، وحكم جهوي في باقي تراب المملكة، بذات القانون الذي يصادق عليه البرلمان من غير زعزعة للاستقرار، ومن اهم مشاريع هذا الانتقال :
- خفض مستوى الفساد من خلال تغيير سياسة الامتيازات الموروثة بالإقليم( انظرخطاب المسيرة 2014 وخطاب المسيرة 2018 ) .
- نهج سياسة وقائية ضد التمرد الجماعي،
- خفض المستوى الممكن للعنف إلى مستوى الصفر..
هذا الاتجاه من شانه أن يخدم أي انتقال سلمي للسلطة إلى سلطات جبهة التحرير السا كية الحمراء ووادي الذهب -إن قبلت هذه الأخيرة- سلطات ذاتية كاملة تحت إشراف المجتمع الدولي بغية تحقيق أول انتخابات بالإقليم بطاقم أممي وإدارة أممية كاملة، والأمم المتحدة هي مستعدة لتوسيع اختصاصات المينورسو إن رأى المجتمع الدولي ذلك، وقد دعت الولايات المتحدة مؤخرا في مسودة القرار4042 إلى تكليف أمين عام الأمم المتحدة بمهمة إعادة هيكلة المينورسو للقيام بمهام محددة حصرا في قرار لمجلس الأمن، منها الإشراف الكامل للأمم المتحدة على عودة الاجيئين وانتقالهم من صفة لاجئين إلى صفة مواطنين، وبالتالي تحقيق قربهم من ثرواتهم ومواردهم الطبيعية، هذه العودة للاجئين ستكون عملية دولية وبضمانات من مجلس الأمن بعيدا عن مفاوضات جنيف.
فاليوم يدخل مشكل الصحراء أخر آلية للتفاوض بهدف الوصول إلى حل يعطي الصلاحيات الكاملة للمينورسو، فأمريكا في شخص جون بولتون دعت إلى نقل صلاحيات الإدارة المستقلة في إطار مبادرة الحكم الذاتي الموسع في الصحراء إلى الأمم المتحدة قبل أن تسلمها إلى مؤسسات صحراوية منتخبة من الصحراويين.
وهو ما يذهب إلى تفعيل المقاربة الأوروبية للحل من خلال تشجيع المغرب على الحل الإرادي من طرف المملكة لحكم ذاتي ينتهي باستفتاء بغية اعتماد نتائجه كحل نهائي للمشكل.
فأوروبا هي تنتصر للأمر الواقع، فلمواجهة معضلة حقوق الإنسان لا بد من الإجابة عن مشكل الثروات الطبيعية. ويمكن أن نقول إن الأمر يذهب في اتجاه تفكيك ناعم لنقل السلطة في الإقليم عبر المينورسو إلى الصحراويين.
فالأوروبيون يسعون إلى ان يبدأ السلام من المقاربة الاقتصادية وليس السياسية وان يكون الحكم الذاتي الموسع بيئة داعمة للسلام الإقليمي.فقدر مشكل الصحراء أن يتم الحسم في التفاصيل قبل إعلان المبادئ، فمن خلال القرار الاممي السابق 2285 نستشف أن الأمم المتحدة عادت لممارسة إدارتها كاملة على الملف والتقارير التفصيلية التي ترسلها المينورسو تعطي سقفا جديدا لخلق مناخ التسوية وليس فقط البحث عنها.
ويرتبط الموضوع كليا بمواجهة المزيد من التفاصيل، ويضمن القرار الأخير(2440) المدعوم بضغط أمريكي إلى استعادة البعثة لدورها الكامل الموكل إليها ودعمه و العودة الكاملة لعناصرها المدنية وكفالة حريتها في التنقل وفي التواصل الحر مع كل المحاورين ورفع القيود على أنشطتها،وبالتالي ستتحول وظيفة المينورسو إلى سلطة كاملة بدون تحديد ولا حدود لصلاحيتها مع إلزام المغرب بالتعاون الكامل مع عملياتها دون تحديد لمدى هذا التعاون وهذه العمليات ودون وضع ضوابط لها...
من اعداد الدكتور الكيرع المهدي
باحث في علم السياسة والقانون الدستوري