afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

دقيقة آسف على جثمان هابيل..

بقلم : محمد سالم الزاوي

 

 

لقد زفت لنا الأيام القليلة الماضية خبر مقتلة “حي السلام!!” بالداخلة والتي راح ضحيتها شاب صحراوي أعدمته حبوب الهلوسة على يد فتية أراحوا نعمة العقل في سرير السكر ليدقوا أخر مسمار في نعش سجيتنا المسالمة. إنها دقيقة تأسف أقفها إكراما لروح شبابنا الذي وأد طيبتنا وتسامحنا وتراحمنا في قنينات الخمر التي توزع رصيفيا بمدينتنا بفعل فاعل.أقفها تألما على برورنا المنتهك في قلة إكرامنا “للوالدين” المشهود في صياح ذاك الشاب البالغ أشده على من تحملت عناءه يٌسمعها سباب الهوان من أجل دفع ثمن سهرته الحشيشية. أقفها توجعا لإندثار إلتزامنا المذكور في إرثنا الديني لمجتمعنا المحافظ لنشيد على أنقاذه صرح “والي سو” المشوه خلقا وخلق عبادة ومعاملة.
أقف بين جنباتها دقيقة صمت ترحما على من مات أم ترحما على قيمنا وعاداتنا وتراثنا التي يتم وأدها أمام أنظارنا كل لحظة .أقفه ترحما على جد أخبرني ضمن وصايا الزمان صفات مجتمع يخجل كبيره من صغيره ويوقر نسوته رجاله مجتمع ينبذ أهله العاق نبذ البعير الأجرب. مجتمع لا مكان فيه لأهل السوء إسوى بيوت الطرد في الخلوات . مجتمع شبابه عصب نشاطه ومحرك عجلته ومرآة أدبه وأخلاقياته. لتزحف عليه في يوميات التاريخ رأسمالية التمدن وعصرنة الحياة ليفهمها فهما فاسدا إختزلته قنينات “الماحية” و”الروج” الرخيصة الثمن والباهضة العاقبة والمنتشرة بين ظهرانينا إنتشار النار في الهشيم بمباركة ذوي الأمن والسلط عبر وضع عيون “الميكة” دون صناع تلك المياه المدمرة. لأن ما حدث وسيحدث بين الفينة والاخرى من جرائم القتل والاغتصاب والسرقة والعربدة في الشوارع وغيرها من المظاهر الدخيلة على مدينتنا الهادئة يجعلنا نتساءل عن الاسباب والمسببات، ولن اقف مع من يقف عند رد الفعل السلوكي عند الشباب كما يحلو للأعيان ومريديهم ان يقفوا على حافتها في مخرجاتهم واستنتاجاتهم الغير منطقية والغير عادلة كلما تساءلنا عن الاسباب المباشرة لنجد الإجابة في محاضر الشرطة وتحقيقات القضاء والتي اريد لها ان تبقى قشورا بلا لب ، أقف مذهولا بين المسببات لأجد في موضوعات السكر والحشيش و القرقوبي والجهل” تلك الشماعة التي يعلقون عليها إستنتاجاتهم بينما يبدو للاعمى والبصير أن مربط الفرس و عقال الناقة هو ذلك العنوان العميق والمبهم الذي تشتم منه رائحة المؤامرة على ابناء المنطقة ،نعم أقف جاحظا وقولي صريح صداح لا اخشى فيه لومة لائم “فالدولة ورجالاتها المسؤول الاول عن هذه المظاهر الغريبة عن مجتمعنا” ، لأن ضالة الامن كما تعودناه في رواسب الفكر المخزني بهذه المدينة هو البحث عن خدوش (الوحدة الوطنية )او جروح “الإ نفصالية” لتحصل ردة الفعل السريعة المترجمة في تكالبهم بتلك الوحدات وتشكيلاتها ركوعا وسجودا يبحثون في الموضوع يبتغون اسبابه ومسبباته ويعتقلون جناته ومنفذيه شرقا وغربا حتى يأتوا بنبعه وأساسه. هي دقيقة حسرة أبعثها بتضرع للجليل في أخذ الحق من تلك الأيدي والاجندات التي تبث سموم “القرقوبي” و “الجوانات” في جسدنا المنهك بجراحات الجهل والتخلف والنعرات لنفرزه تقرحات يذبح فيها شبابنا المهلوس بعضه بعضا. لتبعث تلك الصور الدموية في قناة المتلقي شوارع “كولومبيا الإسكوبار” على جغرافيا الداخلة. وعلى مكاتب أصحاب الوصاية وذوي “الكسوة” و”الزرواطة” من يمنح تراخيص تجارة الغضب الرباني للقاصي والداني عن قصد وعمد لتصب علينا ترخيصاتهم سوط عذاب جسدته معابد الخمور ودور الفجور قاطعة ما تبقى من حبال الرحمة المهداة. نقف على صخرة الداخلة التي لم تعلمنا منذ كنا نعدو صغارا في شوارعها دون أن تمرر على مسامعنا جرائم “التبويقة” الخمرية أن الأمر يسير بنا نحو الهاوية وأن السيل سيبلغ الزبى وأن العصارة ستصل البلعوم عندها سيتبرأ الوالد من المولود وتناشد الأم القاضي ضمن مشاهد المحاكم تأبيد فلذة كبدها أو إعدامه دون رجعة,وأصل الجرح دولة بجميع اجهزتها تجهد طاقاتها إستنباطا لجهلنا الذي ينخر حياة شبابنا ويخرب جدراننا وهي المسؤولة بأعيانها ومريديهم عن كل جرائم القتل والدعارة والبغاء الذي ينهش مجتمعنا يوما بعد يوم وما كانت لتفتح الايام حادثة أليمة كتلك التي وقعت منذ أيام لولا هذه السياسة الإعدامية. لأن وسط وقائع الجريمة منفذين ومتسببين سيمضون دون عقاب أو حساب متحصنين خلف أموالهم المدفوعة لترطيب محاضر الشرطة وأحكام القضاء. أقف في هذا الموكب الجنائزي متمعنا في واقع شبابنا الذي يفتش عن جرعة ثمالته بين همزات “السرقة” الموصوفة وحملات “السطو” الليلي من دكاكين العباد وجولات نهب الإبل الضالة. اقف لما بلغه أمرهم من إنتهاك للحرمات بين سب الرب في الشوارع وزنى المحارم في المضاجع و تضييع الصلوات بين الكوطة الرمضانية والراحة “البيودينية” في باقي السنة. لننتهي عودا على بدأ الى إستباحة سب الأباء والأمهات في كل مناسبة لم يوفروا لهم تكاليف تبويقة إدمانهم”. هي دقيقة ألم نقفها إستحضارا لفقدان أصالتنا التي توارثناها في أريحية “أمشقب” و “الراحلة” وخيام كرمنا وأمننا وسلميتنا وتديننا الموصوف في معاملتنا. 
_
لقد إنقبضت أنفاسنا وتقزم خلقنا ونحن نسترق إشاعات الناس في مدينتنا المنعمة بفتيل الإشاعة تتداول خبر قتيل في مقتبل العمر يتم سحله من مكان الى مكان في محاولة يائسة لاخفاء عار نسجت بوادره بين معامل “دومس” و “كازا لويس” وحانات “ريجينسي” مع الحرص على تعطيرها بكافور الحشيش وأقراص التقرقيب” التي بات الحصول عليها أسهل من وقفة سلمية لإنتزاع حق أو دفع باطل لأنه ببساطة أقدارنا التي جعلته فرض عين علينا من من يمسك بزمام امورنا ,يدعسنا لصراخنا ويداعبنا حين نلقي بأنفسنا وسط فوهة الإنحراف أو نترامى في احضان الاهانة وسط مريديه وزبانيته. نقف وسط هذه العجينة الغريبة بتأمل المعاين لواقع مرفقي وضعه ذووا الإختلاس وأشياع الإلتباس في عتمة أرصدتهم فلم يعد للشاب المتطلع في زمن الاعلام والعولمة من مرافق ولا منشآت ثقافية او اجتماعية او رياضية او صحية لملئ الفراغ او علاج الدماغ فصبت على جثته المترهلة بعد إغتيالات البطالة وعدم وصول الرسالة فلم يبقى له غير خربة” الملاعب التي أكل الدهر وشرب عليها أو مكتبات الفقر المعرفي المعدة من طرف لحاسة المال العام فلم تترك لهذا الشباب من مفر وسط حقل الألغام النفسية هذا وعقده الناسفة غير القفز وسط مستنقع الدمار الذاتي وأفواه مخدراته المفترسة لتطبع في ذواتهم تأشيرات الرحيل نحو واقع أخر “واقع تكييفي” ينسيهم هموم الحياة وصعابها حتى تنسف معاملات سكان هذا العالم الأفلاطوني خيط الود الرقيق القائم على مبدأ المداورة عند أي شجار بسيط ينشب بينهم في جلساتهم الخمرية تلك ليرحل بطرفيه في رحلة وداع بين القبر والسجن إن أبقى “عزرائيل” منهم بقية. 
هي وقفة شجون تجول بنا وسط مدينة يفوق حشيشها ونبيذها وخمرها وكل عوامل النشوة وإجارة العقل فيها تعداد سكانها وتعداد الكتب في مكتباتها المعدودة على اصابع اليد الواحدة فترى لقاحات الإنحراف تحقن بين أزقتها المظلمة وأحيائها الشعبية في الصغار والأحداث ومن لايزال قاصرا في عرف القانون يبني أحلامه الفاضلة بدأ من مسلسل الثراء وأنتهاءا الى سلسلة العشق الممنوع مع المعنسات وعاهرات المراهقة المبكرة. ليستفيق في ظلمة أيامه وقد سلب منزل أسرته لإرضاء “بزنازه” مقابل أطراف السموم تلك. أو لعل الله يكرمه بوحدات من التدخل الأسري تقذفه وسط زاوية “جلوى” تهدأه لوهلة بإبر الطب الروحاني ودروس الفقه ليعود حبل الإدمان الى جراره بمجرد إطلاق سراحه وسط أجواء التمدن. 
هي حرب تستهدف قيمنا بمناشير الإدمان لتستنزف طاقاتنا يوما بعد يوم يقودها أصحاب الجشع والمال الحرام يتسيدهم خمار “دومس” الشهير يحذوه حذو نعله الشيطاني صاحب خمارة “لويس” ولكل منهم زبائنه و(ربائنه) تباعدهم دياناتهم وتوحدهم تجارتهم ولسان حالنا يقول “إذا كان حبل العجب يسقط عن الثاني لمسيحيته فالطامة الكبرة تكمن في اسلامية الاول” الذي لا يتقي في توجيه رذاذ بضاعته القاتلة الفرقة بين احكام المسلم والملحد. لأن الطاعة في وحي “صاحب افخم زفاف في الصحراء” هو لإلاه الاوراق النقدية والعملات النفعية اما مستقبل شبابنا ومصيره فعنده سيان مع قطعانه السائبة في الفلوات. ليتاجر على زهو عيشنا في سموم التدمير الأخلاقي تنهش بقاءنا. وقد قال الشاعر يوما “إنما الأمم الاخلاق ما باقيت …فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا” . فكيف بنا وقد بترنا ما تبقي من أخلاقنا في مشاهد الصراعات الدموية والمعارك القبلية التي غالبا ما تنتهي بين أروقة الصلح القبلي وإعفاءات الحق العام ونواة فتيلها فتية أمنوا بكأسهم ونبيذهم فأعملوا السيف والسكاكين جهادا في سبيل جرعة ثمالتهم. كيف بنا والتدخين منارة تحضرنا وعلامة عصريتنا يرضعه صبيتنا في جلسات سهرنا وفي تجولنا. وكذا في كل سيناريوهات حياتنا سيجارة بدخان قاتل ينقش خيوطه المتصاعدة في ذاكرة العشق لدى أبناءنا الحالمين ليترجموه إرتيادا لدى باعة “الديطاي” الرصيفي أو صاكات” المدينة الكثيرة عند أولى إرهاصات المراهقة. كيف بنا ومنغصات الإنتحار البطئ توزع علينا من صناع الموت بشكل متعمد لتحصد براءتنا وبكارتنا وشرفنا وشغفنا ومحارم الشرع لتبني العولمة وسط بدائيتنا الملتزمة غرائب الحداثة المتوحشة . 
أقف مع فئاتي العمرية دقيقة معاناة في مدينة حيثما تولي وجهك فيها فثمة وجه ثمل فسكير فمدمن يؤدون مناسكهم وسط زوايا البغاء وبيوت “التبرتيش” التي أذن الشيطان أن يذكر فيها إسمه يسبحه فيها شبابنا بالغدو والاصال ليخرجوا منها رجالا لا يلهيهم هم دنيا ولا دين عن ذكر إبليس وجنده ولا تجارة ولا بيع ولا حس ولا خبر ليسيلوا دماء بعضهم قربانا على جنبات كعبتهم.أقف والوباء المجتمعي يدك أبواب مدينتنا يوما بعد يوم بعدما كانت أهدأ مدينة وأرحب وأرحم بقعة بين بقاع الجهات الأخرى. لتفاجئنا قنابل الدمار العقلي في لحظة سكينتنا تلك تحت يافطة أبي نواس زماننا الذي نصب نفسه قدوة شبابنا وشعاره لاءات خطها على يافطات صلاحنا بالدم اليافع تقول : 
ما قال ربك ويل للذين سكروا…ولكن قال ويل للمصلين. 
وبها أختم جنازتي وكلي أمل أن يطردوا قابيل من مدينتي قبل أن يخوض شبابنا في ضغطة القبر وبحث منكر ونكير
.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد