afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

فقه التكاثر في مجتمع العنوسة

بقلم : محمد سالم الزاوي 

لقد ملأتني حوارات المقاهي وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي بحصيلة وفيرة وزخم من المعاناة الكثيرة، أضيفها طبعا الى ما راكمته  في حويصلتي التي ضاقت بما اسمع وأرى حول ما تؤول اليه شؤوننا الاجتماعية ، فهذا واقع شباب يسرد في لحظات إستطراد تنفيسي عن الروح في مقهى الحي أحواله و رتابة الأيام ومشاكل الدهر التي لا تنتهي. وتلك تسجيلات كلامهم وأحرف تعليقاتهم في المواقع الالكترونية تنم عن المعضلات العويصة والمنغصات التي أثقلت كاهلهم فصاروا أبطال العالم في حمل الاحقاد على المجتمع والنظام والقبيلة. هي مشكلة علقت على جيد مجتمع البيظان وأستفرد بها في ابجديات ثقافته إذ جاءت كحصيلة لعادات تعجيزية متوارثة كانت تتماشى مع نمط العيش في أزمنة غابرة حيث كان المجتمع الصحراوي يعيش البداوة ونظام الترحال دون أن تغزوه غيوم الرأسمالية ورعود التمدن المفاجئ . وكما قلنا وحتى نكون منصفين فتاريخ الظاهرة لا يقاس بنمط العيش الحالي الذي جعل من تلك الطقوس حجر عثرة ولازمة ضرورية في درب تكاثرنا الذي بات على المحك. هي مشكلة غلاء المهور، وقسم الظهور, إبتدعته أزمة سوسيوثقافية حولتها هجمة المجتمع الرأسمالي الاقطاعي ونمط التمدن الذي يسير ببطء داخل مدننا المنكوبة الى مبالغ طائلة بعدما كانت ظاهرة حميدة فيها من التكافل والتضامن ما لا نراه اليوم حيث تحولت الى التكالب والتفاخر وإذا كان أسلافنا قد كرسوا ذلك لغاية تتماشى مع نمط عيشهم ، فلماذا لا يتحلى المجتمع بالمرونة المطلوبة ويقنن الظاهرة ان صح التعبير ويجعلها معقولة ومقبولة .أم لأن هناك من يعيش وسطنا على إستغلال عامل التفاوت الطبقي وميراث القبلية من حيث التخلف والنعرات الهٌبلية فصار يذبح فقه تكاثرنا بسكين التفاخر والتباهي مع الحرص على سلخ ما تبقى من حرصنا على عفافنا في نكاح ما أحل الله بأثمان الإلتهاب البورجوازي.

        ولأننا في مجتمع معظمه يترك عقله نائم نومة الصبيحة صار البورجوازي الذي يستيقظ قبل أذان الفجر ليخرج أوراد أرصدته يتغابى علينا فيحسبنا في حك الجيوب متساوين كأسنان المشط ويدون في أعراف تعاستنا أن لكل زوجة حظ المسرفين وأن مهورهن هدف لإغناء آلهن قبل إغنائهم فكان أن صارت عادة حق يراد منها باطل بفعل فاعل مرفوع بما سبقه من الجهل والتغابي.فحين تركنا عقولنا وضمائرنا وشرفنا نائمين صار هو ينسج في أجيال مجتمعنا جيوش جرارة من المعنسات وجحافل كرارة من المعنسين يخافون يوما كان شره مستطيرا  يشوي حصيلة أزمان من الكد وسط أفران ليلة “زهوانية” جائزتها شهرة ليلة وهيلمان (بدراعة ولثام من نيلة) ثم إمرأة فدخلة فنكاح ففقر مدقع الى يوم يطلقون او يوم يبعثون حفاة عراة .

       ومن مفارقات المسألة أن الجميع سلم لذلك فصار يتسابق مع الزمن في استغلال الشباب ماتبقى من فحولتهم والاناث ما تبقى من انوثتهن في الظل المقابل لمجتمعنا أمام أنظار وأسماع الجميع. فانتحرت القيم والأخلاق والأنساب والمستقبل على مقصلة الجمود الفكري .

     هي مشكلة رؤوسها متعددة كتعدد أرجل الأخطبوط المحيط بنا ، وليس غلاء المهور وحده طامة كبرى فالمصيبة الأعظم  في تلك الطقوس الإحتفالية والمهرجانات الفكلورية التي دأب أهل الإغراء في الصحراء وأمة البيظان على إلزام الزوجين بإتباع مناسكها والسير على هدي سنتها بدءً من النحر وإنتهاءً الى سهرة الفجر ليحصد ذوي العريسين أضرار ليلة السخاء ثمنها ثمن مشروع خيري طويل الأمد في فكر المستثمرين وذهن المنتجين.

    هي آفة مستفحلة وقودها الأغنياء الخبثاء وحطبها الفقراء السذج  تحرق هنودنا الحمر يوما بعد يوم لتجعلنا على خيط شعرة الإنقراض وبيننا أقوام يتزاوجون  بفاتحة الكتاب أو ما سخر الله وكأنهم معمل وضعه أحد بيننا للدجاج ليضعوا البلاد على حافة الإنفجار الديمغرافي ولهم الحق في ذلك طالما أن الرأس عندهم يساوي مؤونة سنة بالمجان !!.

    والحق أن الأمم تتكالب على تكثير نسلها تكالب القصعة على آكلتها لتنتج موارد بشرية هامة تتشارك في بناء أوطانها وصناعة مستقبلها ودوننا الصين وبعدها الرئيس الروسي الذي حث شعبه على التكاثر مؤخرا  ، ولست اضع الامثلة للقياس بل للعبرة فقط ولا اطمع في اكثر من ذلك .

    ومما يزيد الطينة بلة وعلة  اننا أول الشعوب التي تبذل قصارى جهدها من اجل تحديد النسل وسياسة الطفل الوحيد حتى لا يضيع رونق المعاصرة في بيوتنا ، وكأننا نملأ الخافقين كثرة ونتدافع في الطرقات …  نحن الذين تربينا في بيوت ملأها الله بملائكة صغار وحباها بنساء ولودات,صار العقم الذي لا نعرف أسبابه ومسبباته لنا عادة وزادنا الوضع الإقتصادي خبالا ويزيد المجتمع قتامة لينقسم فيه عصب طاقته وهم شبابه بين فرط ينزوي في غرف العزوف عن الزواج في مخادع البغاء عند صويحبات الهوى المزيف يشبع نزواته ويفي لرتابته حتى تحيله الأيام على التقاعد في دور العنوسة. وفرط يرى في التوالد خارج العرف والمألوف وقد يصل بهم الأمر لحد الإغتصابات المفاجئة كهجمة عكسية لوضع ذويه أمام الأمر الواقع للملمة الموضوع على ورقة عقد القران طالما أنهم يمتنعون عن تزويجه بما قسم الله.فكان ما كان مما كان فلان ابن زنا وفلان امه كذا وفلان ابوه كذا والعار يلاحقنا جميعا فهم جميعا ابناؤنا. أما الفرط الاخير وهم من تحملوا رفع راية المجتمع ، فقد إنصاع لهذا العبء وكرسوا أنفسهم للجهاد في سبيل سداد أعراف ورثوها عن أسلافهم ، وهم عادة لا يصلون حتى يشارفوا حدود الشيخوخة فيجمع الله بين الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ان لا تلاقيا ، وبعد التلاقي يجدوا الفرصة للعيش الكريم قد فاتت فتقبرهم الموت وسط اطباق الثرى : ولدا في سنة كذا وماتا في سنة كذا وانتهى المسار دون أن يتحرك القطار….

   مجتمعنا أعدم الزواج المبكر في عرف عياله واعدم معه ابوة العديدين الى الابد ، وأعدم مستقبل( الهنود الحمر ). و جعل الزواج الغاية العظمى والهدف الأسمى وكرس ذلك عند أبنائه بينما الحقيقة أنه وسيلة للمستقبل وليس غاية  المستقبل

أوَلم يكن الزواج طريقا للتناسل والتكاثر والحفاظ على الجنس البشري فلما يحارب مجتمع هذا السر في التكاثر ؟ وليس كل متسائل يتساءل !

   ولعل غياب إستراتيجيات واضحة لنسج الحلول وردع وحش العزوبية عن مصاحبتنا سنين طوال تقتسم معنا ديننا وتقربنا من نيران اخرتنا تعلن القطيعة بيننا وبين إبن صالح نرجوه ذخرا في الدعاء لنا لهو الأدهى والأمر.وإن غياب ذلك ينذر بأن الأمر قد يكون مدبرا بليل !

 الجميع يرى ويسمع عن عزوبية تدفع بمحفزاتها وضرائبها الشباب النائم الى الإرتماء في حضن المحظور و العار المستور ، وهذا كله وأجيالنا تجري جري الريح تسابق الانقراض دون وصية أو نِدّية لمن سيأتي يستوطن على أنقاضنا

    إن ضرورة العمل على محاربة ذوي البذخ والترف من أصحاب الرساميل الضخمة وأغنياء الحرب والصناديق الإنتخابية الذين يجهدون أنفسهم في إشاعة أنفسهم المتردية ونشر صيتهم الجاهل عبر مهرجانات الزواج التي تثير غيرة ذوي النفوس الرهيفة وتشعل فتيل فتنة “التحامير” بين عائلاتنا الغارقة في عقدة القبلية التي تعيش على وقود الفخر والتباهي لهو الدواء الناجع والناجح ،وإن الإرتماء في الحلال الزلال لهو الصاعقة على من يكيد لهذا المجتمع .

وخلاصة القول لا يجب ان تنطلي علينا الخدعة  والنبي الأكرم ص يقول ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ” ولم يقل اذا جاءكم من ترضون جيبه وجاهه فزوجوه ، والقرآن يأمر ويؤكد “ وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ”  والاية تقول ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ومجتمعنا يمتنع عن الزواج وعن التزويج ما دام الفقرموجودا وهو  بذلك يقف بقوله  -والعياذ بالله – امام قوله جل وعلى ، فلنتجاوز رواسبنا التقليدية المتوارثة والتي كانت تتماشى مع عهود “الفركان” ومجتمع “البداوة” فهي لا تزال جاثمة على واقعنا ونحن في عصر غير العصر و ” الله لا تفظحنا ” !

 

 

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد