afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

نحن المطرح الكبير، فلما الإعتراض !؟

الصحراء 24 : محمد سالم الزاوي

منذ 1975 ونحن نعاني نفايات البارود والسلاح والعتاد وجثامين القتلى وأزبال البؤس والشقاء. منذ 75 ونحن وسط منفانا الإجباري أو آخر إختياري نكافح قساوة ماضينا من أجل البقاء. منذ تلك السنة التعيسة ونحن نتعايش مع الازبال في شوارعنا وحاراتنا وأزقتنا، اوليس نحن الذين ولجنا التمدن بمواشينا وتركناها ترعى وسط نفايات الإسبان؟.. نعم نحن من كنا نتاجر في أزبالهم ونفرح لعثورنا على خردتهم وأقمنا ألف مآتم على مطرحنا القديم.
لا غرابة إذن أن نكون مطرحا للدولة بعد عمر طويل، ولا يجب ان يعترينا الحزن ووزيرة بيئتنا تعوضنا عن أزبال الإسبان بأزبال ‘الطليان’، لا يجب أن نكون أنظف مما ترانا الدولة عليه ولا انقى مما دجن عليه المغاربة بكوننا “شعب متسخ” لا يفهم في الحضارة غير تسمين نساءه قصد الزواج. لا تظنوا بأنكم ستخرجون عن حكم البصري حين قال حقيقتنا بالعيون “بأنه وجدنا نرعى مواشينا وسط بقايا كارطون إسبانيا” ولا عن فقه وزير الثقافة الاشعري الذي إتهمنا باننا “لا نعرف عن من الحضارة غير تسمين نساءنا”.
نحن هكذا دائما في أعين حكوماتنا مجرد زبالين في صحراءها او لنقل في مطرحها الكبير، فقد عودتنا أن ترمي بيننا خردتها من العمال المغضوب عليهم والولاة المحكوم عليهم .. عودتنا ان تبعث لنا مرضى النفوس من رجال سلطتها والحاقدين من معلميها وأساتذتها.. عودتنا دوما أن نكون فأر تجارب لنفايات سياساتها ومحكومين ببقايا رجالاتها، حتى منتخبينا وأعياننا هم خردة ريعها ونفايات ماضيها… لا أحد له الحق في الإعتراض على حرق براز الإيطاليين بيننا فنحن مرحاض الوطن بكل شرف وافتخار.. وليس ذلك بكلام عابر خطه يائس في وقت ما بمدينة الداخلة. لكنه كلام يقرأه الأعمى ويسمعه الأكمه بمجرد أن يتجول بمطارح الصحراء ويقارنها بشمال بلادنا. له أن يرى مكب الطرقات المرحاضية المليئة بالحفر والمطبات وله أن يرى بأم عينه تلك البالوعات القديمة والروائح الكريهة التي جعلت لكل حي مرحاضا معطرا للتنفيس عن ساكنيه. له أن يرى براز التنمية في حدائقنا وبنيتنا التحتية وفي جدران بيوتنا ومنازلنا. له أن يرى براز الصفقات المغشوشة في كل مرفق عمومي ومنشأ خصوصي.. له أن يرى كل شئ في أسرة الأزبال عدى أن يرى النظافة في حياتنا.
لقد كنا دوما أهلا للنفايات ونستحق عن جدارة أن نكون روضة سموم الإيطاليين، فلو صح الكلام عن تحويلها لمنطقة أوسرد الخالية فلا احد له الحق في الإعتراض، حتى مواشينا التي ترعى بتلك البيداء لا حق لها في الكلام. لأنها ستجد أخيرا سمادا إيطاليا تقتات عليه. فنحن مولعين في الصحراء بكل شئ مستورد من أوروبا خصوصا “سلعة الإسبان” لكنه مكتوب لنا بعد 40 سنة على رحيلهم أن نستورد أزبال إيطاليا بدل أزبالهم.
هنيئا لنا صراحة بهذا الإنجاز فنحن كنا ولازلنا وسط مقبرة فسيحة، مقبرة لمرضى النفوس ومدمني الحشيش والخمور، مقبرة للبطالة والعطالة، مقبرة لمنتخبي الريع وجهلة السياسة، مقبرة لمستشفيات التنكيل بالمرضى، ومدارس التجهيل بالمرة. لقد كنا وسنظل مقبرة كبرى إسمها الصحراء أين تدفن الدولة فساد مسؤوليها وتدفن سياساتها الخاطئة وتدفن أمنها وقمعها وتسلطها. لذا لا ضير في أن نكون كذلك مقبرة لنفايات وزيرتها المستوردة من إيطاليا.
إننا نعد العدة لإستقبال نفايات “النابوليين” ونحن على يقين بأننا سنصفق لكم ونمتدحكم وسنرفع الأعلام الوطنية لهذا المنجز كما نرفعها عند قدوم أي وفد أجنبي، سنهلل لهذا الحدث التاريخي ونمجد وستأتي جمعيات الخردة التي دفنتها الدولة وسط الإرتزاق والتطبيل لتكتب معلقات المديح في هذه التنمية المزبلية بالصحراء. نعدكم أننا لن نكون مثل باقي المغاربة ثائرين على صفحات الفيسبوك والجرائد وما جاورها فنحن في الدرك الاسفل من المزبلة. ولا يحق لنا الكلام في حرم الازبال لأننا سنتهم بالعمالة والنذالة والإنفصال. لن نتكلم لأننا مرتزقون بالفطرة نمشي على بطوننا كالثعابين مقابل حفنة المال ووثيقة البقعة. نعدكم بأننا لن نتمرد لأننا ننسى بالفطرة مزابلنا وننسى ظلمنا وإلا لكنا الأن جميعا بين السلة والذلة إبتغاء حقنا المحروق مع نفايات ماضينا وحاضرنا. سنثبت لكم عما قريب بأننا صم بكم عمي عند موسم الإنتخابات وسنحمل بطائقنا لنوصل وزيرة البيئة ورئيس حكومتها الى ولاية ثانية لتشرفنا بفضلات شعب شقيق آخر من شعوب “اليورو” او “الدولار”.
لقد إختارت الحكومة ببساطة انسب مكان لدفن ورطتها مع أزبالها المستوردة، ولها السمع والطاعة في أن نرفع تقاريرنا بمنجازاتها في أرضنا، لها السمع والطاعة في أن ننعت للأجانب واحة الرخاء والرفاه التي نعيش وسطها.. لكن حبذا لو تنجز لنا تمثال المزبلة على مدخل الداخلة الشمالي لننعت للعالم مصدر فخرنا ودار أعتزازنا..
سنحكي لأبناءنا يوما بأننا كنا في هذه البيداء الخاوية على عروشها من كل تنمية أننا انتظرنا منهم مستشفيات تغنينا عن الرحيل شمالا فما فعلوا!!!… وأنتظرنا مدارس ومعاهد وجامعات تغنينا عن منفى ما بعد الباكالوريا فما فعلوا !!!… وأنتظرنا منهم سهما بسيطا من غنائم ثروتنا البحرية والبرية فما فعلوا !!!.. وانتظرنا منهم بنية تحتية تقينا روائح المياه العادمة وطرقات تقينا حفر تبليطات الغش فما فعلوا !!.. إنتظرنا منهم نخبة سياسية تسير مجالسنا وتحمل تطلعاتنا بعيدا عن نخب الريع المنتهية الصلاحية.. فما فعلوا !!.. لم يفعلوا غير ما ظلوا يفعلوه طيلة 40 سنة ونيف من تنمية المطارح بهذه الأرض، حولوا الأرض لمطرح وبيئتنا لمرحاض والساكنة لأزبال.. لكنهم أوروثونا هذه المرة أزبالا صنعتها إيطاليا بعد أن وجدونا وسط أزبال إسبانيا.. “ومع من شفتك شبهتك”..
فلما الإعتراض ؟.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد