afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

وزارة الداخلية وأزمة التدبير بالمغرب

الصحراء 24 : احمد أهل السعيد / طالب باحث في القانون العام

تعتبر وزارة الداخلية، وزارة ليست مثل كباقي الوزارات، حيث تتمتع هذه الأخير بأهمية ومكان محورية، في النسق السياسي المغربي، نظرا لأهمية وحساسية الأدوار التي تقوم بها، المرتبطة بالأمن القومي للدولة، لكن أمام التحديات المطروحة، هل لا تزال طريقة وزارة الداخلية ناجعة في معالجة مواضيعها؟

–    وزارة الداخلية والتحكم في المجتمع المدني

 لا تزال وزارة الداخلية عن طريق السلطة المحلية، في الممارسة العملية تتحكم في المجتمع المدني، بطريقة غير قانونية، مثلا من الناحية القانونية لكي يتم تأسيس الجمعيات، لا بد من إشعار السلطة المحلية، لكن في الممارسة العملية تحول هذا الإشعار إلى موافقة، حيث بدونها لا يمكن تأسيس الجمعيات، وبما أن القانون المنظم للجمعيات ينص على أن الوصل المؤقت يسلم بمجرد إيداع الملف فإن السلطة المحلية من الناحية العملية تمتنع على تسلم الملف، لكي لا تقع في إلزامية تسليم الوصل.

كما أن الممارسة العملية تؤكد أن هناك العديد من الجمعيات حصلت على الوصل المؤقت في أزبد من  6 أو 8 أشهر من تاريخ إيداع الملف، في حين أن القانون ينص على تسليم الوصل المؤقت بمجرد إيداع الملف.

ومسألة موافقة السلطة المحلية على تأسيس الجمعية تخضع للسلطة تقديرية مطلقة للقائد، حيث يمكنه أن يرفض بدون تبرير، حتى ولو كانت الجمعية ليس فيها ما يمس النظام العام.  

والغريب أن هذه الطريقة في التعامل مع المجتمع المدني، توجد بعد دستور 2011، الذي أعطى للمجتمع المدني على مستوى النص مكانة خاصة، في حين عندما تتعامل مع المختلف المتدخلين في مسار تأسيس الجمعيات، تجد أن هذه المكانة غير حاضرة عند المسؤولين.

وبالتالي نحن أمام مفارقة بين مقتضيات قانونية متقدمة، و عقليات قديمة، تتحكم في مصير المجتمع المدني، التي لم تتقبل إلى حد الان الدور الجديد الذي سيلعبه المجتمع المدني في صناعة القرار، وقد عملت العقليات القديمة في إطار تفاعلها مع المستجدات الجديدة، على تشجيع نوع معين من المجتمع المدني في المجالات التي يريدونها، على حساب المجالات الأخرى التي لا يردونها.وإذا كانت وزارة الداخلية هي من يدير في شؤون المجتمع المدني، فما هو دور الوزارة المكلفة بالمجتمع المدني ؟

–    وزارة الداخلية والتحكم في مختلف القطاعات الوزارية

يمكن أن نقول أن وزارة الداخلية هي أم الوزارات، أما الوزارات الأخرى كأنها ملحقات لدى وزارة الداخلية، وهذا التحكم يظهر بشكل جلي في اللاتركيز، بقيادة الوالي أو العامل، حيث نجد هذا الأخير يتحكم في مختلف المصالح اللاممركزة لمختلف القطاعات الوزارية، في حين انه لا يوجد أي نص قانوني يعطي للوالي أو العامل، التدخل في شؤون المصالح اللاممركزة للوزارات، لان هذه المصالح تخضع للسلطة الرئاسية للوزارات التابعة لها.

أما علاقة عامل أو الوالي بالمصالح اللاممركزة، فهي علاقة تنسيق، وبغض النظر عن ضبابية مفهوم التنسيق، الذي يمكن أن نفهم منه التوجيه لخلق التقائية في المجهودات المبذولة من مختلق القطاعات الوزارية على المستوى اللامركزي.

لكن الممارسة العملية تبين أن شخصية الوالي أو العامل، مهمينة على المستوى اللامركزي، حيث يتعامل مع مختلف القطاعات اللاممركزة كأنها تخضع للسلطة الرئاسية له، مثلا قطاع التعمير على المستوى اللامركزي هل يخضع للوكالة الحضرية أم الوالي.

ويكفي أن نحيل إلى عبارة رجال السلطة، لنفهم قيمة وفلسفة الهيمنة التي يمارسها ممثلي السلطة المركزية، فعبارة السلطة تحيل إلى القوة التي لا يقف أمامها شيء، لذلك تحتاج إلى إعادة النظر.

 كما أن علاقة وزارة الداخلية بالقطاعات اللاممركزة، يتعين أن تخضع لمنطق التدبير المعاصر، وليس للإدارة التقليدية، التي تجعل المقاربة الأمنية تتحكم في مختلف المجالات الأخرى.

–    وزارة الداخلية و التحكم في الجماعات الترابية

علاقة ممثلي السلطة المركزية الوالي أو العامل، بالجماعات الترابية، من الناحية العملية تخضع لعدة اعتبارات، حيث عندما تكون الجماعات الترابية من الحزب المرغوب فيه، يتم التعامل معها بنوع من المرونة والتسهيلات والمساعدة، بينما عندما تكون من الحزب المنبوذ، يتم التعامل معها بنوع من التهميش، والقسوة  و البيروقراطية.

وتظهر هذه المسالة عادة في انتخابات الجماعات الترابية، حيث نجد مرشح تقدم له كافة التسهيلات ولا يتم مراقبة التجاوزات التي يقوم بها، في مقابل مرشح أخر، غير مرغوب فيه يتم التضييق وتطبيق المراقبة عليه.

وهذا يتنافى مع الدور القانوني الذي من المفروض أن يتحلى بهم مثلوا السلطة المركزية، المتمثل في الحياد وتطبيق القانون، والمراقبة.

وبما أن العلاقة الجديدة التي أصبحت تربط الجماعات الترابية بممثلي السلطة المركزية ( الوالي أو العامل)، بموجب الفصل 154 من الدستور، هي الرقابة وليست الوصاية.

هذا يستلزم من الناحية العملية أن يغير ممثلي السلطة المركزية نظرتهم إلى الجماعات الترابية، والدخول في علاقة التعاون والتضامن والمساعدة من اجل تأهيل الجماعات الترابية وجعلها في مستوى الأدوار المنوطة بها.

فمثلا من بين الإشكالات العملية التي تعاني منها الجماعات لترابية  نجد غياب التحفيز والتكوين المستمر، فماذا قدم ممثلي السلطة المركزية للنهوض بالأوضاع النفسية و المعرفية للجماعات الترابية ؟.

ومن منطلق أن وزارة الداخلية كوزارة تهمين عليها المقاربة الأمنية، وهي التي تتولي في نفس الوقت المراقبة الإدارية على الجماعات الترابية، ونتيجة الإشكالات التي طرحتها هذه المراقبة على مر السنوات، لماذا لا يتم التفكير في خلق وزارة خاصة بالجماعات الترابية؟.

–    وزارة الداخلية والتحكم في الاحتجاجات

علاقة وزارة الداخلية بالاحتجاجات تخضع لمنطق موازين القوى ، بين سلطة وزارة الداخلية ووعي المواطنين بحقهم في الاحتجاج، واغلب تدخلات وزارة الداخلية تكون بالقوة العمومية بغض النظر عن الموضوع المحتج عليه، هل قابل للحوار أم لا.

أن الإشكالية التي تعاني منها وزارة الداخلية، هي “التحكم” وغياب التدبير المعاصر ، مما يجعل القائمين عليها يعتمدون حلول مؤقتة وترقيعية ليس لها رؤية إستراتيجية على المدى البعيد، ونتيجة هذا التفكير هو عندما تقع الأزمة يتسابق الجميع لإيجاد حلول مؤقتة لها، دون الوقوف على الأسباب الحقيقة ورائها، وهذا ضد التفكير المعاصر الذي يبنى على فكرة تصور الأزمات قبل وقوعها، ووضع كافة الحول لتجاوزها، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى،  إشكالية وزارة الداخلية بالمغرب، تتمثل كذلك في كون أن جميع الحكومات المتعاقبة لم تفكر في إعادة النظر في وزارة الداخلية بطريقة تجعها خاضعة للقانون، أن وجود جهاز كوزارة الداخلية من أقوى الأجهزة، يعتبر نفسه خارج القانون، يشكل خطر على استقرار الدولة ككل، وذلك بسبب طريقة تعاملها مع الاحتجاجات، والتاريخ المغربي يشهد أن اخطر الاحتجاجات التي عرفها المغرب كانت بسبب وزارة الداخلية.

كما أن المفهوم الجديد للسلطة، لا يمكن أن ينجح في ظل النسق السياسي السائد، ولا يمكن حتى للاحتجاجات أن تغير النسق، صحيح أن الاحتجاجات تحدث تأثيرات، لكن في جميع الأحوال هذه الأخيرة لا يمكن أن تصل إلى التغيير الجدري، الذي حسب رأينا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الثورة الثقافية، التي ستمكن من بناء منظومة جديدة في مختلف المجالات، وبدون ذلك ستذهب جميع مجهودات الإصلاح هباء منثورا.

 تظهر الممارسة العملية، أن وزارة الداخلية لا تزال تعتمد على المفهوم التقليدي للسلطة، الذي يعتبر نفسه فوق الجميع، ولا يحاسب، والدليل على ذلك هناك العديد من الأحكام والقرارات القضائية تدين تدخلات وزارة الداخلية، فحين أن هذه الأخيرة لا تنفذها، لكن في المقابل عندما يكون القانون في صالحها تستخدمه ضد الآخرين.

إذا كانت وزارة الداخلية دورها هو الحفاظ على الأمن، والاستقرار فإن الممارسة العملية تؤكد أنها من أكثر الأجهزة فسادا وشططا وهذا سيؤدي إلى إجهاد جميع محاولات الإصلاح وبناء الديمقراطية.

فالجهد الذي من المفروض أن يستثمر في التقدم، يستثمر في الصراعات الداخلية بين الشعب والدولة، مما سيجعل الدولة تغير أولوياتها من التنمية إلى المقاربة الأمنية.

لذلك لابد من تغيير طريقة تعامل وزارة الداخلية مع الاحتجاجات، وإلا سوف تصل الأوضاع إلى مستوى لن ينفع فيها هذه المرة،  لا دستور، و لا جهوية ولا دروس في التربية على المواطنة.

تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد